ادعمنا

المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية - Behaviourism in international relations

برزت العديد من النظريات والمدارس في حقل العلاقات الدولية، كان أبرزها المدرستين المثالية والواقعية في البداية، واللتين دار حولهما الكثير من الجدل والتنافس، ثمّ جاءت المدرسة السلوكية لكي تبحث في عوامل وعناصر أخرى أغفلتها هاتين المدرستين.

 

جذور المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية

تجد "السلوكية في العلاقات الدولية" جذورها الفكرية في المدرسة السلوكية، وهي مدرسة إجتماعية أسّسها جايمس واتسون – James B. Watson ، وتأثرت كذلك بأعمال الفيزيولوجي جاك لوب - Jacques Loeb ، كما يُعتبر ديفيد إستون – David Easton من أبرز أساتذة المدرسة السلوكية الذي تحدّث عن دراسة المؤثرات في النظام السياسي، سواء الداخلية أو الخارجية، متوقفاً عند دراسة البيئة السياسية بما فيها من تعقيدات.

 

نشأتها المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية

نشأت المدرسة السلوكية في عقد الخمسينات من القرن العشرين، وبقيت نموذجاً مهيمناً في العلوم الإجتماعية الأميركية حتى السبعينات. إنطلاقاً من الإيمان بالوحدة بين العلم والسلوك الإنساني، قام العلماء السلوكيون بتطوير مناهج علمية وكميّة لدراسة العمليات السياسية، والتي بدورها فتحت المجال أمام الكثير من النظريات والطرق المستمدة من العلوم الإجتماعية والرياضية.

 

مفهوم المدرسة السلوكية

تنطلق هذه المدرسة من اعتبار سلوك البشر جوهر العلاقات السياسية، لذلك تدرس سلوكيات الدول التي هي في الأصل والأساس سلوكيات الأفراد والجماعات، وهي تتفاعل مع علوم أخرى – غير علم السياسة – كالإقتصاد وعلم النفس وعلم الإجتماع والديمغرافيا والإنتروبولوجيا. وتعتمد منهج التحليل الكمّي للحالات الواقعة في العلاقات الدولية من خلال علوم الرياضيات والكومبيوتر. تربط هذه المدرسة بين الظواهر السياسية والظواهر الإجتماعية، وتجد أنّ السلوك السياسي هو جزء من سلوك إجتماعي عام. انتقدت المدرستين التقليديتين: المثالية و الواقعية، من حيث اعتماد الأولى على القانون والثانية على القوّة، ووجدت عوامل أخرى مؤثرة في مسار العلاقات الدولية إضافة لهذين العاملين.

 

خصائص المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية

قام ديفيد إيستون بتحديد ثماني خصائص للسلوكية تتلخَّص في الآتي:

1- الإنتظام – Regularities : يؤمن أرباب المدرسة السلوكيَّة بأن هناك تَشابُهات ملحوظة في السلوك السياسي يُمكِن التوصل إليها بالتعميم أو التنظير القادر على التفسير والتنبؤ.

2- الإثبات – Verification : ترى السلوكية أنه لا بد من اختبار صحة الفرضيات بمراجعة علاقتها بالسلوك؛ أي: بإخضاعها للاختبار التجريبي والملاحظة.

3- التقنية – Techniques : تؤكِّد السلوكية بأنه لا يمكن التسليم بصحة طُرُق جمْع البيانات بصورة مطلَقة، فلا بد من فحْصها وتحسينها وإثبات نفْعها حتى يمكن التوصل إلى أمثل الوسائل لتسجيل وتحليل السلوك، وتَعتمِد المدرسة السلوكيَّة على طُرُق التحليل المعقَّدة، مثل: النماذج الرياضية، والمحاكاة، والمسح بالعينات وغيرها، ويعتقد السلوكيون بأن الاعتماد على التَّقنية سيُمكِّن الباحث من التجرد من القيم المؤثرة على طريقة التحليل.

4- القياس الكمّي – Quantification : تتطلَّب دقة المعلومات الاعتماد على القياس الكَمي، وعليه فالطرق الرياضية في التحليل ستمكِّن الباحثَ من التوصل إلى معلومات دقيقة ومحدَّدة عن الحياة السياسية، بعكس ما لو استخدم الباحث الطرقَ النوعية غير الدقيقة في التحليل السياسي.

5- القيم – Values : لا بد من فصْل التقويم الأخلاقي عن التفسير التجريبي، ولكن هذا لا يعني أن دارِس السلوك السياسي لا يتمكَّن من دراسة المعايير الأخلاقية طالما أن باستطاعته فصْل القيم عن الحقائق.

6- التنظيم المنهجي – Systematization : لا بد من تنظيم التحليل لإدراك التداخل بين النظرية والبحث؛ فأرباب المدرسة السلوكية يؤكِّدون بأن العلم لا بد أن يركِّز على التنظير؛ فالبحث العلمي المنظَّم يهدف فقط إلى إيجاد نظريَّات علميَّة.

7- العِلم الصرف - Pure science : يُعَد استخدام المعرفة جزءًا من العلم تمامًا كالمعرفة النظرية، ولكن معرفة وتفسير السلوك السياسي بالطرق العلمية لا بد أن يأتِيَا أولاً، ولا بد أن توضَع القواعد العلمية للانتفاع من المعرفة السياسية في حلِّ المشاكل الاجتماعية.

8- التكامل – Integration : نظرًا لتداخل المفاهيم السياسية المعاصرة، ونظرًا لأن علم السياسة يُعالِج السلوكَ السياسيَّ للإنسان، فإن عَزِل هذا الحقل عن العلوم الأخرى يُعَد مؤشرًا خطيرًا يوحي بتدهور المعرفة العلمية ككل، وعليه فإن تَسابُق العلوم الاجتماعية لتأكيد ذاتها واستقلالها قد يؤدي في النهاية إلى تقويض دعائم العلم نفسه.

 

نقد السلوكية

على رغم ما قدّمته هذه المدرسة من خدمات للبحث العلمي، إلا أنّها تعرّضت للنقد من حيث وجود بعض الثغرات في طروحاتها النظرية، وذلك لأنّها تطرّفت في استبعاد القيم المؤثرة في شخصية الباحث ونتائج البحث العلمي، كما أنّها غالت في إمكانية توقّع حوادث المستقبل بصورة حتميّة. بالإضافة الى ذلك، استبعدت المدرسة السلوكية بعض الظواهر الموجودة في العلاقات الدولية والتي يصعب إخضاعها لقواعد البحث العلمي، فبقيت في دائرة المعرفة التقليدية أو المحافظة.

 

المصادر والمراجع:

عدنان السيّد حسين، نظرية العلاقات الدولية، منشورات الجامعة اللبنانية – قسم الدراسات القانونية والسياسية والإدارية، الطبعة الأولى، 1998، بيروت.

Inanna Hamati-Ataya, Behavioralism, Oxford Research Encyclopedia – International Studies, Jan 2018, Oxford University, USA.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia